ليس أقباط مصر هم وحدهم الذين يعانون من مشاكل ما يطلق عليه «مشاكل الأقلية»، بداية هى ليست مشكلة أقلية مجتمع، بل هى مشكلة ثقافة مجتمع، فالمسيحى مواطن كامل الأهلية ولابد أن يكون كامل الحقوق مثله مثل المواطن المسلم ويجب ألا يطلق عليه أقلية أو ذمياً أو عنصراً أو طائفة... إلخ،

ونحن عندما نناقش القضية من هذا المنظور العنصرى، فنحن نزيد الفجوة عمقاً والنيران اشتعالاً، ذلك لأن عصر المناقشات القبلية التناحرية، التى تحل بالعرف لا بالقانون قد انتهى وحلت محله دولة القانون والمواطنة، ولكن لكى نجد حلاً جذرياً، ولكى نكون منصفين وموضوعيين، لابد أن نفتح ملف الاضطهاد على اتساعه وبجميع أشكاله والكشف عن كل ضحاياه.

ثلاثى أضواء مسرح الاضطهاد هم: الأقباط والنساء والفقراء، وأكبر إنسان غلبان على وجه هذا الكون الفسيح هو من يجمع أو بالأصح تجمع بين الثلاث صفات، امرأة قبطية فقيرة، هذه كارثة إنسانية تمشى على قدمين، يمارس ضدها التمييز من خلال ثلاثة صواريخ عابرة لأدنى متطلبات التعامل الإنسانى، ولذلك هى خارج التاريخ وبره الزمن، وقاربها يتقاذفه الموج الهادر، ولأنه تجاوز المياه الإقليمية للاهتمام والحب والتعاطف، ولا يمتلك بوصلة الأمان والدفء، فمصيرها التوهان والغربة حتى النفس الأخير.

ملف المرأة بعد الثورة عشش فيه العنكبوت والتهمه السوس، خاصة مع تنامى أصوات التيارات الأصولية، وبات مداناً بسوء السير والسلوك والسمعة، حيث من السهل تمزيقه ودفنه فى أرشيف النسيان، بحجة أن سوزان مبارك كانت الراعى الرسمى لهذا الملف. عدنا إلى نقطة الصفر، وصار مجلس الطفولة والأمومة والمجلس القومى للمرأة من وجهة نظر البعض عورة وفلولاً، وماتت قضية الختان ومواجهة العنف والتمييز ضد المرأة، وتعالت الأصوات التى تتهمها بنقصان العقل وبأنها شيطان رجيم أينما تحركت تبث الفتنة،

ولذلك فهى فى قاع النار، باختصار باتت المرأة سبباً من وجهة نظر البعض لكل بلاوى ومصائب وكوارث مصر، بداية من البطالة، لأنها تزاحم الرجال فى أماكن عملهم وحتى المخدرات، لأنها تثير الذكر المسكين، فيضطر لتغييب الوعى لإسكات فحيح حفيدة حواء، التى خلقت من ضلع أعوج وهبطت بآدم، نتيجة خبثها ودهائها ومكرها من نعيم الجنة لبؤس الأرض وعذابها المزمن.

الفقير فى مصر يرحمه الله، سكن العشش والأكواخ والقبور، أكل من نفايات القمامة، باع كليته وكبده، طلب الموت، لأنه راحته الوحيدة وسكينته المشتهاة، كل هذا ولا أحد يتحرك من أجله، فهو على هامش اهتماماتنا، لأننا يقال عنا فى وسائل الإعلام «مجتمع متدين بالفطرة» وقمة التدين عندنا هو القتال فى سبيل أن تدخل عبير وكاميليا إلى حظيرة الإيمان!!،

هذا صار همنا واهتمامنا وقضيتنا وقدس أقداسنا، وليذهب الفقير إلى الجحيم، ولتذهب المرأة إلى حيث ستر القبر، وليذهب القبطى إلى ماسبيرو!.